تشهد برامج الجنسية عبر الاستثمار في منطقة شرق الكاريبي تحولاً هو الأضخم والأكثر تأثيراً في تاريخها. فمع نشر المسودة الرسمية لاتفاقية إنشاء الهيئة التنظيمية الإقليمية للجنسية عبر الاستثمار (EC CIRA)، يستعد السوق لمرحلة جديدة كلياً من الرقابة والتوحيد.
هذه الخطوة، التي جاءت نتيجة سنوات من المشاورات والضغوط الدولية، لا تهدف فقط إلى مواءمة المعايير المالية وإجراءات التدقيق الأمني، بل تتجاوز ذلك لتفرض حزمة من التغييرات الجذرية التي ستعيد رسم ملامح القطاع وتؤثر بشكل مباشر على كل مستثمر ووكيل ومطور.
في هذا الدليل الشامل نستعرض ونحلل كل بند جوهري في مسودة الاتفاقية، لنقدم لكم رؤية كاملة وواضحة لما يحمله المستقبل لبرامج جنسية سانت كيتس ونيفيس، دومينيكا، غرينادا، أنتيغوا وبربودا، وسانت لوسيا.
*تنويه هام: هذا الدليل يستند إلى مسودة اتفاقية EC CIRA (منشورة بتاريخ 1 يوليو 2025). هي وثيقة مقترحة بنودها غير ملزمة ولن تصبح ملزمة قانوناً إلا بعد استكمال إجراءات التصديق البرلماني في كل دولة من الدول الأعضاء.
ما هي هيئة EC CIRA وما صلاحياتها؟
جوهر الاتفاقية هو إنشاء كيان قانوني إقليمي جديد ومستقل يُعرف باسم (Eastern Caribbean Citizenship by Investment Regulatory Authority – EC CIRA).
هذه الهيئة ليست مجرد جهة استشارية، بل هي سلطة رقابية عليا تتمتع بصلاحيات واسعة، مباشرة، وملزمة قانوناً لجميع وحدات الجنسية عبر الاستثمار (CIUs) في الدول الأعضاء.
أبرز صلاحياتها تشمل:
- السلطة التشريعية والتنظيمية: إصدار قواعد وإرشادات ملزمة (Codes of Practice) تغطي كل جوانب البرامج، من معايير التدقيق الأمني إلى قواعد التسويق والإعلان، ووضع جداول زمنية موحدة لمعالجة الطلبات.
- صلاحيات التحقيق والإنفاذ: فتح تحقيقات مستقلة في أي مخالفات محتملة، والسماح لمفتشيها بدخول وتفتيش مقرات الوكلاء والمطورين، ومصادرة المستندات والأجهزة بموجب أوامر قضائية.
- إدارة التراخيص والسوق: ستكون الهيئة المسؤولة الوحيدة عن منح وتعليق وسحب شهادات التأهيل المسبقة (PQC)، وهي تراخيص إلزامية لجميع الوكلاء والمروجين والمطورين لممارسة أعمالهم في المنطقة.
- فرض العقوبات: تملك الهيئة القدرة على فرض عقوبات مالية وغيرها ليس فقط على الوكلاء، بل أيضاً على الدول الأعضاء غير الملتزمة، بما في ذلك إمكانية تخفيض حصتها السنوية من الطلبات.
- الشفافية والرقابة: بالإضافة إلى نشر تقارير سنوية عن أداء البرامج، ستشرف الهيئة على إجراء عمليات تدقيق سنوية ومستقلة لكل وحدة جنسية وطنية لضمان امتثالها المالي والإجرائي.
تغييرات جذرية للمستثمرين: الإقامة الإلزامية، حصص سنوية، وصلاحية جواز السفر
لعل التغييرات الأكثر تأثيراً على المستثمرين الجدد تتركز في عدة مجالات رئيسية ستغير من طبيعة الحصول على الجنسية الكاريبية:
متطلبات الحضور الفعلي والاندماج (Post-Citizenship Conditions)
لأول مرة، ستتجاوز العلاقة مع الدولة مرحلة الاستثمار لتشمل التزامات طويلة الأمد:
- الإقامة الإلزامية: تفرض المسودة شرط وجود فعلي لا يقل عن 30 يوماً في الدولة المانحة للجنسية خلال السنوات الخمس الأولى، مع إمكانية تجميع الأيام أو تفريقها.
- الإقرار السنوي: لضمان الامتثال، سيُلزم المواطنون بتقديم “إقرار سنوي بالحضور والاستثمار”، مع منح الهيئة صلاحية التحقق من سجلات الهجرة والعقارات.
- برامج الاندماج: بالإضافة إلى الإقامة، سيُطلب من المواطنين الجدد إكمال برامج تثقيف مدني إلزامية.
- الاستثناءات: تتيح المسودة إمكانية طلب استثناء من شرط الإقامة في ظروف قاهرة (مثل الأسباب الإنسانية) بعد إعلام الهيئة.
- العقوبات: عدم الامتثال لهذه الشروط، دون عذر مقبول، سيؤدي إلى عقوبات صارمة تبدأ بغرامة إدارية تصل إلى 10% من قيمة الاستثمار، وتنتهي ببدء الإجراءات لسحب جواز السفر. من المهم التنويه أن إلغاء الجنسية أو سحب الجواز لا يقتصر على ذلك فقط، بل يشمل أيضاً حالات أشد خطورة مثل الاحتيال، أو تقديم وثائق مزورة، أو في حال شكل المواطن تهديداً للأمن القومي.
حدود سنوية على عدد الموافقات (Annual Caps)
ستتحول برامج الجنسية من سوق مفتوح إلى سوق منظم بحصص. ستضع هيئة EC CIRA حداً أقصى سنوياً لعدد الطلبات التي يمكن لكل دولة الموافقة عليها.
هذا الإجراء يهدف إلى التحكم في نمو البرامج، الحفاظ على قيمتها، وإدارة المخاطر المتعلقة بالسمعة، ولكنه قد يؤدي إلى فترات انتظار أطول وزيادة التنافس على الحصص المتاحة.
نظام جديد لصلاحية جواز السفر
سينتهي عهد الحصول على جواز سفر بصلاحية 10 سنوات بشكل مباشر في بعض الدول. تقترح المسودة نظاماً من مستويين:
- المستوى الأول: يتم إصدار جواز سفر أولي بصلاحية خمس سنوات فقط.
- المستوى الثاني: لا يتم تجديد جواز السفر لمدة 10 سنوات إلا بعد أن يتأكد المواطن من استيفائه لجمي المتطلبات الجديدة، وعلى رأسها شرط الإقامة الفعلية.
قواعد جديدة تؤثر على الطلبات
بالإضافة إلى ما سبق، هناك تفاصيل أخرى هامة تؤثر على المستثمرين:
- قيود على تغيير الاسم: ستفرض المسودة قيوداً صارمة، حيث أن أي تغيير لاسم المتقدم الرئيسي أو أحد أفراد عائلته، سواء أثناء تقديم الطلب أو بعد الحصول على الجنسية، سيخضع لعملية تدقيق إضافية ومكثفة ويتطلب موافقة رسمية من هيئة EC CIRA، مع احتمال تأخير أو رفض الطلب في حال عدم استيفاء المتطلبات.
- المحتوى الاقتصادي (Economic Substance): تشير المسودة إلى ضرورة تلبية معايير “المحتوى الاقتصادي” مستقبلاً، وهو مطلب قد يضيف شروطاً جديدة على طبيعة الاستثمارات العقارية وغيرها.
تعزيز التدقيق الأمني: إجراءات جديدة لضمان نزاهة البرامج
ستقوم هيئة EC CIRA بتوحيد ورفع مستوى إجراءات العناية الواجبة (Due Diligence) بشكل كبير عبر عدة محاور:
فحوصات شاملة ومعمقة
ستتجاوز عمليات العناية الواجبة (Due Diligence) الإجراءات الحالية لتشمل تدقيقاً شاملاً لكل متقدم في كل مكان أقام فيه أو حمل جنسيته خلال السنوات العشر الماضية.
سيتم مطابقة الهويات ضد قوائم المراقبة الوطنية والدولية، وقواعد بيانات الشخصيات السياسية البارزة (PEPs)، والسجلات الجنائية العالمية.
مقابلات شخصية إلزامية
ستصبح المقابلة الشخصية شرطاً إلزامياً للمتقدم الرئيسي، بالإضافة إلى كل فرد من أفراد عائلته المشمولين بالطلب ممن تزيد أعمارهم عن 18 عاماً. كما يمكن استدعاء الأبناء الأصغر سناً (فوق 12 عاماً) للمقابلة في حال وجود ضرورة لذلك أثناء التدقيق.
قاعدة بيانات إقليمية مركزية ورسوم إضافية
سيتم إنشاء قاعدة بيانات إقليمية مركزية تُدار عبر وكالة CARICOM IMPACS ومركز الاتصالات المشترك الإقليمي (JRCC).
ستحتوي هذه القاعدة على البيانات البيومترية (مثل بصمات الأصابع والصور) وسجلات الطلبات والموافقات والرفض لجميع المتقدمين.
من المهم ملاحظة أن المسودة تنص على فرض رسوم إضافية على المتقدمين تُدفع مباشرة لصالح CARICOM IMPACS لتغطية تكاليف هذه الفحوصات المتقدمة وإدارة القاعدة.
منع الطلبات المرفوضة
تنص المسودة صراحةً على أنه لا يجوز لأي دولة عضو قبول أو معالجة طلب تم رفضه مسبقاً في دولة عضو أخرى.
الاستثناء الوحيد يتطلب الحصول على موافقة كتابية ومسبقة من هيئة EC CIRA نفسها، مما يغلق فعلياً ثغرة الانتقال بين البرامج بعد الرفض.
تنظيم السوق: قواعد صارمة للوكلاء والمطورين والإدارة المالية
لن تقتصر رقابة هيئة EC CIRA على المتقدمين فقط، بل ستفرض إطاراً تنظيمياً صارماً وشاملاً على جميع الأطراف الفاعلة في الصناعة لرفع مستوى المهنية والشفافية:
شهادة تأهيل مسبقة إلزامية (PQC)
لن يتمكن أي طرف من العمل في برامج الجنسية الكاريبية دون الحصول على “شهادة تأهيل مسبقة” (PQC) صادرة مباشرة من الهيئة.
يشمل ذلك جميع الوكلاء المحليين والدوليين، المروجين، المطورين العقاريين، ومزودي خدمات التدقيق. ستكون لهذه الشهادة صلاحية لمدة ثلاث سنوات وتتطلب اجتياز معايير الملاءمة والموثوقية (fit-and-proper).
سيتم نشر سجل مركزي بأسماء جميع حاملي الشهادات، مع امتلاك الهيئة صلاحية تعليق أو سحب الشهادة في حال وجود أي مخالفات.
حماية أموال المستثمرين عبر حسابات الضمان (Escrow)
سيصبح من الإلزامي إيداع جميع أموال الاستثمار المؤهلة في حسابات ضمان (escrow) معتمدة ومراقبة من قبل الهيئة.
لن يتم الإفراج عن هذه الأموال للمطورين أو الصناديق الحكومية إلا بعد استكمال جميع إجراءات التدقيق والموافقة النهائية على طلب الجنسية.
هذا الإجراء يوحد معايير حماية أموال المستثمرين في جميع الدول الأعضاء ويقلل من المخاطر المالية بشكل كبير.
توحيد قواعد التسويق والإعلان
تمنح المسودة الهيئة صلاحية إصدار “قواعد سلوك وممارسة” (Codes of Practice) ملزمة لجميع الوكلاء والمروجين.
من المتوقع أن تشمل هذه القواعد قيوداً واضحة على الرسائل التسويقية، ومنع الإعلانات المضللة، وتوحيد طريقة عرض مزايا البرامج، مما يضمن حصول المستثمرين على معلومات دقيقة وشفافة.
تدقيق سنوي لوحدات الجنسية
لضمان الامتثال على المستوى الحكومي، ستخضع كل وحدة من وحدات الجنسية عبر الاستثمار (CIUs) في الدول الأعضاء لتدقيق مالي وإجرائي سنوي ومستقل. ولزيادة مستوى الشفافية، سيتم رفع نتائج هذا التدقيق إلى البرلمانات الوطنية ونشرها للعامة.
الإنفاذ والإطار القانوني: كيف سيتم تطبيق الاتفاقية؟
لضمان ألا تكون الاتفاقية مجرد حبر على ورق، تمنح المسودة هيئة EC CIRA “أسناناً” قانونية حقيقية وآليات إنفاذ صارمة على جميع المستويات:
- سلطات تحقيقية واسعة: يحق لمفتشي الهيئة تفتيش مقرات الوكلاء والمطورين ومصادرة المستندات بموجب أوامر قضائية لفرض الامتثال المباشر.
- عقوبات على الدول المخالفة: يمكن فرض عقوبات متدرجة على الدول غير الملتزمة، تبدأ بتخفيض حصتها السنوية من الطلبات وتصل إلى فرض غرامات مالية.
- آلية التصديق والتطبيق المؤقت: لن تصبح الاتفاقية ملزمة قانونياً بالكامل إلا بعد تصديق خمس دول عليها بشكل رسمي، وستدخل حيز التنفيذ بعد 30 يومًا من التصديق الخامس. لكن تتيح المسودة إمكانية تطبيقها بشكل مؤقت بمجرد تصديق ثلاث دول فقط، وهو ما قد يسرّع دخولها حيز التنفيذ قبل اكتمال الإجراءات الرسمية.
- التطبيق بأثر رجعي محتمل: تسمح المسودة بتطبيق بعض الأحكام الجديدة، كشرط الإقامة، على الطلبات التي لا تزال قيد المعالجة وقت تفعيل الاتفاقية.
- هيئة قضائية للطعن (Appeals Tribunal): تنص المسودة على إنشاء محكمة إقليمية متخصصة للجوء إليها من أجل الطعن في قرارات هيئة EC CIRA.
المشهد الجديد لبرامج الجنسية الكاريبية: كيف تستعد للقرارات القادمة؟
تمثل مسودة اتفاقية EC CIRA، كما استعرضنا، خارطة طريق لتحول جذري وشامل في برامج الجنسية الكاريبية. نحن الآن في لحظة مفصلية، حيث من المتوقع أن يتم عرض هذه الاتفاقية للتصويت في برلمانات الدول الخمس خلال شهر سبتمبر 2025 الحالي.
إن مواكبة هذه التطورات السريعة وفهم ما سيتم إقراره بالضبط هو أمر حاسم لاتخاذ أي قرار استثماري صحيح.
في شركة كريبي للاستشارات، نحن نراقب هذه الإجراءات التشريعية عن كثب وسنكون أول من يزودكم بآخر المستجدات فور صدورها.
قبل أن تتخذ أي خطوة، تواصل معنا لحجز استشارة مجانية. دعنا نقيّم معاً كيف تؤثر هذه التغييرات المحتملة عليك، ونضمن أن استثمارك القادم مبني على أسس متينة ورؤية واضحة.